خواطر في الحج وعبر وعبرات لمن كان له قلب..

عندما كنت أحج في السنة الماضية - وقد كانت أول حجة لي - هالني مشهد فلول الحجاج المتجهين إلى عرفات وقد أتوا من كل فج عميق صغار وكبار.. شيوخ وعجائز.. ذكور وإناث.. عرب وعجم.. أغنياء وفقراء.. كلهم قد أتوا في صعيد واحد وبلباس واحد ولغرض واحد لافرق بينهم إلا بالتقوى فقلت : سبحان من يعلم مسألة كل فرد منهم على كثرتهم واختلاف ألسنتهم ولغاتهم إنه الله جل جلاله!!
قلبت النظر وأعملت الفكر في هذه الملايين التي وقفت تناجي ربها وخالقها ورازقها وقد أنهكها التعب وأضناها المسير وتحت حرارة الشمس ولا غطاء على الرأس فقلت في نفسي : كيف بيوم القيامة إذا دنت الشمس مقدار ميل وسال العرق وفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه هل سيظلني الله بظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله؟؟ هل سأكون من السبعة ؟؟
وفي يوم عرفة أخذ طرفي يجول يمنة ويسرة يرمق فئام الحجاج من بعيد وقد كنت على قمة جبل الرحمة فذكرني منظر الحجيج باليوم الذي أقض مضاجع الصالحين وأرق نوم العابدين حينما يجمع الله الأولين والآخرين.. ياترى كم عددهم؟! وإلى أين مصيرنا ومصيرهم؟! يارب سلم سلم وتلوت قول الله جلت عظمته : ( إن كل من السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً لقد أحصاهم وعدهم عداً وكلهم آتيه يو القيامة فرداً )
كادت دموعي تسيل من بعض المناظر التي كنت أراها.. رأيت شيوخا بلغوا من الكبر عتيا وعجائز وهن العظم منهن يحجون مشيا على الأقدام بل ويحملون أمتعتهم على ظهورهم لماذا هذا التعب ؟! كل هذا لمرضات الله وكفى وكأن لسان حالهم:
وإذا كانت النفوس كباراً @@@ تعبت في مرادها الأجساد
عندها تذكرت بعض الشباب هدانا الله وإياهم الذين من الله عليهم بالمال والصحة ولايزالون يسوفون ويتكاسلون عن أداء هذا الركن العظيم متناسين قول الله عز وجل : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ) وكما هو معلوم أن الحج واجب على الفور عند الحنابلة متى ماوجدت القدرة والاستطاعة ولست هنا بصدد فتوى وإنما هي خواطر حارة سطعت في عقلي وترجمها فؤادي قبل لساني أسأل الله أن ينفعني بها وإياكم والحمد لله رب العالمين.